سورة النمل - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح} الصَّرحُ القصرُ وقيل: صحنُ الدَّارِ. رُوي أنَّ سليمان عليهِ السَّلامُ أمرَ قبلَ قدومِها فبنَى له على طريقِها قصراً من زجاجٍ أبيضَ وأُجري منْ تحته الماءُ وأُلقَي فيه من دوابَ البحرِ السَّمك وغيرُه ووضعَ سريرُه في صدرِه فجلسَ عليهِ وعكفَ عليه الطيرُ والجنُّ والإنسُ وإنَّما فعلَ ذلك ليزيدَها استعظاماً لأمرِه وتحققاً لنبوتِه وثباتاً على الدِّينِ، وزعمُوا أنَّ الجنَّ كرهوا أنْ يتزوجَها فتفضيَ إليه بأسرارِهم لأنَّها كانتْ بنتَ جنيةٍ وقيل: خافُوا أنْ يولَد له منْهَا ولدٌ يجتمعُ له فطنةُ الجنِّ والإنسِ فيخرجونَ من مُلكِ سلِيمانَ عليه السَّلامُ إلى مُلكٍ هو أشدُّ وأفظعُ فقالُوا إنَّ في عقلِها شيئاً وهي شَعراءُ الساقينِ ورجلُها كحافِر الحمارِ فاختبرَ عقلَها بتنكيرِ العرشِ واتخذَ الصَّرحَ ليتعرَّفَ ساقَها ورجلَها {فَلَمَّا رَأَتْهُ} وهو حاضرٌ بينَ يديها كما يَعربُ عنه الأمرُ بدخولِها وأحاطتْ بتفاصيلِ أحوالِه خبراً {حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} وتشمرتْ لئلاَّ تبتلَّ أذيالُها فإذَا هي أحسنُ النَّاسِ ساقاً وقدماً خلا أنَّها شعْراءُ. قيلَ: هيَ السببُ في اتخاذِ النورةِ أمرَ بها الشياطينَ فاتخذوهَا واستنكحَها عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأمرَ الجنَّ فبنَوا لها سيلحينَ وغمدانَ وكان يزورُها في الشهرِ مرةً ويقيمُ عندها ثلاثةَ أيامٍ وقيل بل زوَّجها ذا تُبَّعٍ ملكِ هَمْدانَ وسلَّطه علي اليمنِ وأمر زوبعةَ أميرَ جنِّ اليمنِ أنْ يطيعَه فبنى له المصانعَ. وقرئ: {ساقها} حملا للمفردِ على الجمعِ في سُؤْقٍ وأَسْؤُقٍ {قَالَ} عليه الصَّلاة السَّلام حين رأَى ما اعتراها من الدَّهشةِ والرُّعبِ {أَنَّهُ} أي ما توهمْتُه ماءً {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} أي مملسٌ {مّن قَوارِيرَ} من الزجاجِ {قَالَتْ} حينَ عاينتْ تلكَ المعجزَة أيضاً {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بما كنتُ عليهِ إلى الآنَ من عبادةِ الشَّمسِ وقيل: بظنِّي بسليمانَ حيثُ ظنَّتْ أنَّه يريدُ إغراقَها في اللُّجةِ وهو بعيدٌ {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان} تابعةً له مقتديةً به، وما في قولِه تعالى: {للَّهِ رَبّ العالمين} من الالتفاتِ إلى الاسمِ الجليلِ، ووصفُه بربوبيةِ العالمينَ لإظهارِ معرفتِها بألوهيتِه تعالَى وتفرُّده باستحقاقِ العبادِة وربوبيتِه لجميعِ الموجُوداتِ التي منْ جُملتها ما كانتْ تعبدُه قبلَ ذلكَ من الشَّمسِ.
{وَلَقَدْ أَرْسَلنَا} عطفٌ على قولِه تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ وسليمان عِلْماً} مسوقٌ لما سيقَ هُو له من تقريرِ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام يُلَقَّى القرآنَ من لدنٍ حكيمٍ فإنَّ هذه القصةَ من جُملةِ القرآنِ الكريمِ الذي لقيَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. واللامُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أيْ وبالله لقد أرسلنَا {إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} وأنْ في قوله تعالى: {أَنِ اعبدوا الله} مفسرةٌ لما في الإرسالِ من معنى القولِ أو مصدريةٌ حُذف عنها الباءُ.
وقرئ بضمِّ النُّونِ إتباعاً لها للباءِ {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} ففاجؤا التفرق والاختصامَ فآمنَ فريقٌ وكفرَ فريقٌ. والواوُ مجموعُ الفريقينِ.
{قَالَ} عليه الصَّلاة والسَّلام للفريقِ الكافرِ منهم بعدَ ما شاهدَ منهم ما شاهدَ من نهايةِ العتوِّ والعنادِ حتَّى بلغُوا من المُكابرةِ إلى أنْ قالُوا له عليه الصَّلاة والسَّلام يا صالحُ ائتِنا بما تعدُنا إنْ كنتَ من الصادقينَ {قَالَ ياقوم لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة} أي بالعقوبةِ السيئةِ {قَبْلَ الحسنة} أي التوبةِ فتؤخرونَها إلى حينِ نزولِها حيثُ كانُوا من جهلِهم وغوايتِهم يقولونَ: إنْ وقعَ إيعادُه تُبنَا حينئذٍ وإلاَّ فنحنُ على ما كُنَّا عليه. {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} هلاَّ تستغفرونَه تعالَى قبل نزولِها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بقبولها إذ لا إمكانَ للقبولِ عندَ النُّزولِ.


{قَالُواْ اطيرنا} أصلُه تطَّيرنَا والتَّطيرُ التشاؤمُ عُبِّر عنه بذلك لما أنَّهم كانُوا إذا خرجُوا مسافرينَ فيمرّون بطائرٍ يزجرونَه فإنْ مرَّ سانحاً تيمَّنوا وإنْ مرَّ بارحاً تشاءمُوا فلما نسبُوا الخيرَ والشرَّ إلى الطائرِ استُعير لما كانَ سبباً لهما من قدرِ الله تعالى وقسمتِه أو من عمل العبدِ أي تشاءمنا. {بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} في دينِك حيثُ تتعابعت علينا الشدائدُ وقد كانُوا قحطوا أو لم نزل في اختلافٍ وافتراقٍ مُذ اخترعتُم دينَكُم {قَالَ طَائِرُكُمْ} أي سببُكم الذي منْهُ ينالُكم ما ينالُكم من الشرِّ {عَندَ الله} وهو قدرُه أو عملُكم المكتوبُ عندَهُ. وقولُه تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} أي تُختبرون بتعاقبِ السرَّاءِ والضرَّاءِ أو تعذَّبون أو يفتنكُم الشيطانُ بوسوستِه إليكم الطيرةَ إضرابٌ من بيانِ طائرِهم الذي هو مبدأُ ما يحيقُ بهم إلى ذكِر ما هو الدَّاعي إليهِ.
{وَكَانَ فِى المدينة} وهي الحِجْرُ {تِسْعَةُ رَهْطٍ} أي أشخاصٍ وبهذا الاعتبارِ وقعَ تمييزاً للتسعةِ لا باعتبارِ لفظِه. والفرقُ بينه وبينَ النَّفرِ أنَّه من الثلاثةِ أو من السبعةِ إلى العشرةِ والنَّفرُ من الثلاثةِ إلى التسعةِ وأسماؤهم حسبَما نُقل عن وهبٍ: الهذيلُ بنُ عبدِ ربَ وغُنم بنُ غنمٍ ورئابُ بنُ مهرجٍ ومصدعُ بنُ مهرجٍ وعميرُ بنُ كردبةَ وعاصمُ بنُ مخرمةَ وسبيطُ بنُ صدقةَ وشمعانُ بنُ صفي وقُدارُ بن سالف وهم الذين سَعَوا في عَقْرِ النَّاقةِ وكانُوا عتاةَ قومِ صالحٍ، وكانُوا من أبناءِ أشرافِهم. {يُفْسِدُونَ فِى الأرض} لا في المدينةِ فقط إفساداً بحتاً لا يُخالطُه شيءٌ ما من الإصلاحِ كما ينطقُ به قولُه تعالى: {وَلاَ يُصْلِحُونَ} أي لا يفعلونَ شيئاً من الإصلاحِ أو لا يصلحون شيئاً من الأشياءِ.
{قَالُواْ} استئنافٌ ببيانِ بعضِ ما فعلُوا من الفسادِ أي قالَ بعضُهم لبعضٍ في أثناءِ المُشاورةِ في أمرِ صالحٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ ذلَك غِبَّ ما أنذرَهُمْ بالعذاب وقولِه تمتعُوا في دارِكم ثلاثةَ أيامٍ إلخ {تَقَاسَمُواْ بالله} إمَّا أمرٌ مقولٌ لقالُوا أو ماضٍ وقعَ بدلاً منه أو حالاً من فاعلهِ بإضمارِ قد. وقولُه تعالى: {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنباغتنَّ صالحاً وأهلَه ليلاً ونقتلنَّهم. وقرئ بالتَّاءِ على خطابِ بعضِهم لبعضٍ. وقرئ بياءِ الغَيبةِ وضمِّ التَّاءِ على أنَّ تقاسمُوا فعلٌ ماضٍ {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ} أي لوليِّ صالحٍ. وقرئ بالتَّاءِ والياءِ كما قبلَه. {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي ما حضرنَا هلاكَهم أو مكانَ هلاكِهم فضلاً أنْ نتولَّى إهلاكَهم. وقرئ: {مهلَك} بفتحِ اللامِ فيكونَ مصدراً {وِإِنَّا لصادقون} من تمامِ القولِ أو حالٌ أي نقولُ ما نقولُ والحالُ إنَّا لصادقونَ في ذلكَ لأنَّ الشاهدَ للشيءِ غيرُ المباشرِ له عُرفاً أو لأنَّا ما شاهدنا مهلكَهم وحدَه بل مهلِكه ومهلكَهم جميعاً كقولِك ما رأيتُ ثمةَ رجلاً بل رجلين.


{وَمَكَرُواْ مَكْراً} بهذهِ المواضعةِ {وَمَكَرْنَا مَكْراً} أي أهلكَناهم إهلاكاً غيرَ معهودٍ {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أو جازيناهم مكَرهم من حيثُ لا يحتسبونَ.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ} شروعٌ في بيانِ ما ترتَّبَ على ما باشرُوه من المكرِ، وكيفَ معلقةٌ لفعلِ النظرِ. ومحلُّ الجملةِ النصبُ بنزعِ الخافضِ أي فتفكر في أنَّه كيفَ كانَ عاقبةُ مكرِهم. وقولُه تعالى: {أَنَّا دمرناهم}. إما بدلٌ من عاقبةُ مكرِهم على أنَّه فاعلُ كان وهي تامَّة وكيفَ حالٌ أي فانظُرْ كيفَ حصلَ أي على أيِّ وجهٍ حدثَ تدميرُنا إيَّاهُم. وإمَّا خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. والجملةُ مبنيةٌ لما في عاقبةُ مكرِهم من الإبهامِ أي هي تدميرُنا إيَّاهم {وَقَوْمَهُمْ} الذين لم يكونُوا معُهم في مباشرةِ التبييتِ. {أَجْمَعِينَ} بحيثُ لم يشذَّ منُهم شاذٌّ. وإما تعليلٌ لما ينبىءُ عنه الأمرُ بالنَّظرِ في كيفيةِ عاقبةِ مكرِهم من غايةِ الهولِ والفظاعةِ بحذفِ الجارِّ أي لأنَّا دمَّرناهم إلخ وقيلَ كانَ ناقصةٌ اسمُها عاقبةُ مكرِهم خبرُها كيفَ كانَ فالأوجُه حينئذٍ أنْ يكونَ قولُه تعالى: أنَّا دمَّرناهم إلخ تعليلاً لما ذكِر. وقرئ: {إنَّا دمَّرناهم} إلخ بالكسرِ على الاستئنافِ.
رُوي أنَّه كانَ لصالحٍ عليه السَّلام مسجدٌ في الحجر في شعبٍ يصلِّي فيهِ، فقالُوا زعمَ صالحٌ أنَّه يفرغُ منَّا إلى ثلاثٍ فنحنُ نفرغُ منه ومن أهلهِ قبل الثَّلاثِ فخرجُوا إلى الشِّعبِ، وقالُوا إذَا جاءَ يُصَلِّي قتلناهُ ثمَّ رجعنَا إلى أهلِه فقتلناهُم فبعثَ الله تعالى صخرةً من الهضبِ حيالَهم فبادرُوا فطبقتِ الصَّخرةُ عليهم فم الشِّعبِ فلم يدرِ قومُهم أينَ هُم ولم يدروا ما فُعل بقومِهم وعذَّب الله تعالى كلاً منهم في مكانِه ونجَّى صالحاً ومَن معه. وقيلَ جاءُوا بالليلِ شاهرِي سيوفِهم وقد أرسلَ الله تعالى الملائكةَ ملءَ دارِ صالحِ فدمغُوهم بالحجارةِ يرون الحجارةَ ولا يَرون رامياً.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ} جملةً مقررةٌ لما قبلها. وقولُه تعالى: {خَاوِيَةٍ} أي خاليةً أو ساقطةً متهدمةً {بِمَا ظَلَمُواْ} أي بسببِ ظلمِهم المذكورِ، حالٌ من بيوتُهم والعاملُ معنى الإشارةِ. وقرئ: {خاويةٌ} بالرَّفعِ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيَما ذُكر من التَّدميرِ العجيبِ بظلِمهم {لآيَةً} لعبرةً عظيمةً {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ما من شأنِه أنْ يُعلم من الأشياءِ أو لقومٍ يتصفونَ بالعلم {وَأَنجَيْنَا الذين ءامَنُواْ} صالحاً ومَن معه من المؤمنينَ.
{وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} أي الكفَر والمعاصي اتقاءً مستمراً فلذلك خُصُّوا بالنَّجاةِ.
{وَلُوطاً} منصوبٌ بمضمرٍ معطوفٍ على أرسلنا في صدرِ قصَّة صالحٍ داخلٌ معه في حيِّز القسمِ أي وأرسلنا لوطاً. وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ظرفٌ للإرسالِ على أنَّ المرادَ به أمرٌ ممتدٌ وقعَ فيه الإرسالُ وما جرى بينَه وبينَ قومِه من الأقوالِ والأحوالِ. وقيل: انتصابُ لوطاً بإضمارِ اذكُر، وإذْ بدلٌ منه، وقيل: بالعطفِ على الذين آمنُوا أي وأنجينا لوطاً وهو بعيدٌ {أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي الفعلةَ المتناهيةَ في القبحِ والسَّماجةِ. وقولُه تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ تأتُون مفيدةٌ لتأكيدِ الإنكارِ وتشديدِ التَّوبيخِ، فإنَّ تعاطيَ القبيحِ من العِالمِ بقُبحه أقبحُ وأشنعُ. وتُبصرون من بصرِ القلبِ أي أتفعلونَها والحال أنَّكم تعلمون علماً يقينياً بكونِها كذلك وقيل: يبصرُها بعضُكم من بعضٍ لما كانُوا يُعلنون بَها.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10